الشأن التربوي

الوليّ… الرابط المُشتّت

الوليّ هو الرابط المباشر مع التلميذ مُتابعة ورعاية، وهو الأقدر على فهم خصوصياته ومدى نجاح تفاعله الإيجابي مع المُعطيات المُحيطة به

لكن لاحظنا – وللأسف- عدم رغبة تفاعل الإدارة في المؤسسات التعليمية مع الأولياء وتعالي المُدرّسين عليهم ورفض الحوار معهم، ثمّ يُلقون عليهم اللوم ويتّهمونهم بكونهم سبب الفضل وتردّي النتائج في تهرّب وتقصّي مفضوح من المسؤُولية!

كما ترفض الإدارة قصدا وعنادا تنظيم اجتماع الأولياء المُعتاد لطرح الإشكاليات وتلقي الاقتراحات، ويرفضون حتّى السماح للأولياء بمُقابل المُدرسين للاستفسار عن ما غمُض لهم أو سؤال عن أبنائهم، في سلب مٌتعسّف لحقّ بكّل وقاحة، لكن هذا يُفهم طبعا لكونهم لا يريدون الحوار حتّى لا يتلقون اللوم والتأنيب عن فشلهم المُستمّر وأخطائهم الفادحة وعدم القُدرة على المُواجهة مع الأولياء وانعدام أسباب التبرير لديهم

هذا الجفاء وانعدام حسّ المسؤولية ليست وليدة قلّة الثقة المُتبادلة ما بيّن المدّرس والولي ولكن لانعدام الثقة من المُدّرس في ذاته !

هذه القرارات الخاطئة من الإدارة حتى وإن كانت تقديريّة واجتهادية فإنّها تُساهم في تدمير أواصر انفتاح المدرسة على الأطراف المُكوّنة للمنظومّة لكّل والمُتغيّرة بدورها

فالوليّ هو الذي يغرس القيم الأولى والمبادئ الأصليّة ونقش التعاليم الأوليّة، هو أوّل من يُهيّء التلميذ لتقبّل المسار التعليمي بالتعاون مع المُعلّم، لذا فهي واجب الإدارة في المُؤسسة التعليمية ترسيخ هذا الوعي واقعا وفتح المجال للأولياء للمُشاركة الفاعلة والمُجدية والكفّ عن الهروب من المسؤولية أو دعم تكبّر المُدّرسين على هذا التعاون والتفاهم

يجب أن يُدرك الجميع القيمة التربوية والتعليمية للوليّ ودعمه بكل جُهد، استثمارا لقُربه وخبرته ومعرفته بالخبايا ودقائق الأمور، وهذا الرابط الحقيق لأي مكسب ثقافي ونفسي وعقلي للطفل، الموقع الأقرب للوصول إلى عمق النظام بنظرته الموضوعيّة، ونقطة الوُصول للفكر المُشترك بوصفه صاحب السُلطة المرغوبة، ويُوازن مع صُورة المعلّم صاحب السلطة المنبوذة  والتصرّف السلبي مع الوليّ يجعل من كل مجهود مهما كُبر ناقصا، الولي كإنسان خارق، فقُدرته على إنماء قدرات الطفل الداخليّة كبيرة مُقارنة بقدرات المُعلم وأكثر سُرعة

فحُسن  التواصل هو الأساس للعلاقات الإنسانيّة عامّة والتربوية خاصّة، يزيد من الاندماج  والاحترام ويُدعم الانسجام والتناغم في التكامل بين الأدوار بنسق ليّن وروح النيّة الطيّبة

فالقطيعة ليست في صالح أي طرف حتّى وإن توهّم المدرّس ذلك المسؤول الأوّل عن توفير وتهيئة المناخ المُلائم لهذا التواصل المُستوجب لوضع أُسس تسيير سياسة تربوية ناجعة وفاعلة واقعا

فالمُعلّم اعتاد الاعتداد حصريّا بوجهة نظرة الشخصيّة رافضا لتبادل الرُؤى مع الوليّ ويراه مُنافس بدل أن يتعاون معه، ويراه عدّوا بدل شريك يتحقّق معه التوافق والتقارب لتحقيق النجاح للمنظومة ككّل

الأساليب البيداغوجية المُوجّهة للأطفال جدّ دقيقة، بمعنى التطويع الهادف، الصرامة المُوجّهة والمُلاعبة  المُدعّمة للمعلومة وحُسن تقبّلها

لا نريدها بيداغوجيّة شكليّة غائبة واقعة وحاضرة فقط في مناشير الوزارة لا غير، تلك البيداغوجيا التي تُلائم النضج التدريجي للطفل وملكاته العقليّة والسلوكيّة وتُترجم به ومنه ما بداخله مخفيّا تقصيرا وحياء بالتبسيط والتيسير دون غلظة مُنفّرة وتنظير مُفرغ مع تعنيف مُفزع، في تحريك لكلّ دواخل حواسه في تناغم مع الفكر المُتغيّر، تنشيطا  للذاكرة  وتنشيطا  للفطنة الطبيعية والاكتساب المُتقلّب مع تطوير حسن التصرّف في المُكتسبات والمعارف  المُتراكمة بعيدا عن الحفظ الآلي، وترك المجال للابتكار الطفولي والإبداع المُثمر بنفس براغماتي تربوي تخطيطي يُثري الملكة الإستعابية عنده، بالتجريب والتعريف وإثراء للخيال، إدهاشا لعالمه ومنه لعالمنا

فمن  المُهّم الاقتناع بجدليّة ارتباط المجال الإبداعي بالديناميكية العقلانية لضمان التجديد المُتعاقب للرؤى وزوايا التعامل الذاتي والعلائقي فرديّا ومؤسساتيّا لمزيد تدعيم الأسس البنويّة تواصليا وتحليليا من حيث تفكيك بُني المشهديّة اليوميّة وانسجامها مع الآمال المستقبليّة

المعلّم بطريقة غير مُباشرة يُبالغ في أساليب الإقصاء المُتعمّد للولي والإصرار عليه إضافة إلى خوفه من المُواجهة وتخوّفه من الشراكة فإنّه يرتاح للوضعيّة حيث يكون مُتسيّدا لعنوان أي نجاح مُسجّل لتلميذ وينسب الامتياز لنفسه فقط، أمّا عند الفشل وحُدوث الإخفاقات فسينسبُها آليّا ومُباشرة للوليّ كشماعة لإخفاقاته هو بالأساس

بقلم ياسين بوزلفة

Leave a Comment

Nous suivre sur les réseaux sociaux :

RADIO CAP PLUS © 2025. Tous droits reservés | Toute reproduction, même partielle, est strictement interdite.